رسم كاريكاتير رفعه أحد الثائرين بالتحرير
الفكاهة.. سمة لفتت انتباه العالم لثورة المصريين
النكتة ليست مجرد تسلية إنما هي سلاح الشعوب وأحد أدواتها لتعبير والمعارضة بهدف النقد والتغيير، وبرع المصريون في استخدام هذا السلاح عبر أنظمة سياسية متعاقبة تباينت فيها مساحة التضييق أو السماح لفن الكاريكاتير، فبعد هزيمة 1967 ضيق على فناني الكاريكاتير بشدة رغم حرص الزعيم الراحل جمال عبد الناصر على رصد النكات كمؤشر لما يفكر فيه المصريون، كما كان الرئيس الراحل أنور السادات يهتم بمعرفة النكات التي تطلق في عهده، وبينما اتسعت مساحة الكاريكاتير في عهد الرئيس السابق حسني مبارك إلا أنه في ديسمبر/ كانون الأول 2010 شهدت أولى جلسات الدورة الجديدة لمجلس الشعب هجوم النائب زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق على رسم كاريكاتيري للفنان عمرو سليم حول تزوير الانتخابات – استخدم فيها رموزا من الحيوانات (القطط والكلاب) - فيما عرف بـ"أزمة الكاريكاتير والبرلمان".
وفي 25 يناير/ كانون الثاني 2011 قامت الثورة المصرية المطالبة بالتغيير والحرية والديمقراطية، ونجحت في إسقاط النظام، وبرزت معها أيضا الروح المصرية خفيفة الظل التي لفتت انتباه العالم من خلال النكات ورسوم الكاريكاتير والعبارات التلقائية التي رفعها المتظاهرون.
فنانا الكاريكاتير عمرو سليم ووليد طاهر تواجدا في ميدان التحرير خلال أيام الثورة وتفاعلا مع الثوار والمتظاهرين واتفقا – في تصريحات خاصة لموقع أخبار مصرwww.egynews.net – على أن الشعب المصري يمتلك القدرة العالية على السخرية ويتمتع بسرعة البديهة والعين الثاقبة اللاقطة، وأنه لا خوف على مستقبل فن الكاريكاتير بين المصريين المعروفين بـ"أهل النكتة".
سليم: المصري مبهر بسخريته
قال رسام الكاريكاتير الفنان عمرو سليم إن الشعب المصري ساخر بطبعه ومبدع وسريع البديهة، يعرف كيف يجد الفكرة في نكتة أو رسم كاريكاتيري ليسخر وينتقد حكامه في ثانية، وبسرعة يخرج هؤلاء المبدعون الورقة والقلم الفلوماستر ويبتكروا رسوماتهم، مضيفا "بينما أنا كرسام أستغرق وقتا طويلا كي أصل لفكرة وربما أحتاج إلى شرب الشاي أو القهوة وأطلب مزيدا من الهدوء".
وأضاف أن المصريين في ميدان التحرير أكدوا مجددا أن هذا الشعب خفيف الظل، حيث ابتدع وابتكر لافتات ومخطوطات ورسومات وعبارات شديدة الفكاهة، فمنهم من كتب "ارحل إيدي وجعتني"، وآخر رسم شخصا يرفع لافتة مكتوب عليها "ارحل" وبجواره طفل يرفع أخرى عليها "أنا فهمت"، مشيرا إلى تدفق هائل من الأفكار الكثيرة المضحكة جدا التي أطلقت في الميدان وجذبته إليها، مثل لافتة رفعتها جماعة كتبوا عليها "نحن أبناء المنوفية نعتذر للشعب المصري" فاقترب سليم منهم وسألهم فعرف أنهم بالفعل من أهل محافظة المنوفية – مسقط رأس الرئيس السابق -
وأضاف عمرو سليم أن الشعب المصري في أشد وأقسى اللحظات في تاريخه لا يستسلم للمعاناة قدر ما يبدع في السخرية منها، فتجده مبهرا بمعالجاته وسخريته إلى درجة لا يتوقعها الغير، يلاحظ بعين ثاقبة ويلتقط تفاصيل صغيرة يحولها إلى مادة للفكاهة مثل ما حدث بعد أن خرج اللواء عمر سليمان نائب الرئيس السابق معلنا تخلي مبارك عن منصب رئيس الجمهورية في خطاب وقور ومؤثر جدا، فيلتفت الشعب المصري بحسه الساخر إلى الرجل الذي كان واقفا خلف اللواء سليمان، لتنتشر طرفة "مين الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان؟!"، كما التفت المصريون إلى الزي الذي تكرر ظهور رئيس الوزراء السابق الدكتور أحمد شفيق به في لقاءات تليفزيونية، ففي مظاهرتهم الأخيرة رددوا "جيم أوفر يا صاحب البلوفر".
واعتبر سليم أن الفكاهة كانت السمة المميزة للثورة المصرية عن نظيراتها في العالم العربي، موضحا أن الثورة التونسية الهائلة والرائعة التي سبقتنا لم تبرز فيها النكتة والسخرية والفكاهة بشكل لافت للعالم كما حدث مع ثورة 25 يناير. وأرجع ذلك إلى أن المصريين شعب فنان ومبدع منذ القدم، فقد عرف الفراعنة فن الكاركاتير ورسم على جدران المعابد منتقدا الحاكم وساخرا، ومن رسوم الكاريكاتير الموجودة على جدار أحد المعابد الفرعونية أسد يلعب الشطرنج مع غزال. وأضاف "حتى في الثورة الليبية، أبدع المصريون (أهل النكتة) فبعد الخطاب الأول للقذافي انتشر بين المصريين عبارة طريفة تقول إن الشعب يريد ترجمة الخطاب".
وأكد الفنان عمرو سليم أنه لا خوف على مستقبل الكاريكاتير بين شعب خفيف الظل والسخرية في دمه، مشيرا إلى أن لدى المصري سخرية عجيبة وسرعة بديهة وعينا ثاقبة تلتقط التفاصيل وهذه هي الصفات الرئيسية لفناني الكاريكاتير.
طاهر: المؤشر سيعلو
من جانبه، رأى رسام الكاريكاتير الفنان وليد طاهر أن الفكاهة خلال الثورة لم تكن تصاعدية أو تنازلية إنما كانت تعلو وتنخفض مرتبطة بالأحداث السياسية، موضحا أنها كانت أعلى بعد نجاح الثورة من خلال ما انتشر عن "الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان".
وقال إن رسم الكاريكاتير مختلف عن النكتة التلقائية، مشيرا إلى أن ما انتشر بكثافة بين الشعب المصري الثائر هي النكتة أو الفكرة الظريفة والتي لا تخلق الكاريكاتير الكامل الذي يشمل الرسم والنقد والفكرة الساخرة فهو فن وحرفية – على حد قوله - بينما تظل النكتة عنصر من عناصر الكاريكاتير.
وأضاف طاهر أنه بدا لدى المصريين في ميدان التحرير سرعة بديهة وتعبير ذكي وقدرة عالية على الفكاهة، لكنه حرص في الوقت نفسه على القول "أنا ضد الجزم بأن الشعب المصري هو أظرف شعب في العالم، لأن الفكاهة يحسها أهل بلدها، ففي تونس وليبيا ربما يكون بينهم هذا الحس الفكاهي في مجتمعهم، لكن ربما شاع ذلك أكثر عن المصريين لأننا أكثر اهتماما بالنكتة والفكاهة".
وأشار إلى الدور الكبير الذي تلعبه التقنية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت كالفيسبوك في انتشار رسوم الكاريكاتير من خلال أداة الـ"share" (أو المشاركة)، فالكثير من متصفحي الجرائد الكترونيا إذا أعجبهم رسما كاريكاتيريا ينشره على صفحته ويتناقله مع أصدقائه وهكذا.
وتوقع الفنان وليد طاهر أن يعلو مؤشر الكاريكاتير مع المرحلة الانتقالية في الحكم بمصر، حيث يعمل فنانو الكاريكاتير دون اللجوء إلى الرموز – كرسم الحيوانات أو غيرها – وبعيدا عن الجو العام "المريض" – حسب وصفه – الذي يخلق نوعا من الخوف لدى الرسام والقلق من الكاريكاتير لدى النظام.
للضحك فلسفة
"ما أسهل أن تبكي وما أصعب أن تضحك".. عبارة أكدها اهتمام عدد من الفلاسفة والمفكرين ببحث ودراسة فلسفة الضحك والفكاهة مسجلين ما توصلوا إليه، من أبرزهم الفيلسوف والشاعر الألماني فريدريك نيتشة الذي قال "لما كان الإنسان هو أعمق الموجودات شعورا بالألم كان لابد له من أن يخترع الضحك"، بينما عبر عن ذلك عالم النفس العالمي الشهير سيجموند فرويد بقوله "إن الفكاهة ترتد بنا إلى تلك الحرية، التي كنا نحس بها أثناء الطفولة قبل أن تكون لدينا أية رقابة أو رقيب"، لكن الكاتب والمخرج المسرحي الفرنسي مارسيل بانيول لخص المسألة في سؤال وجواب "قل لي مم تضحك؟ أقل لك من أنت"، أما الكاتب المصري الساخر محمود السعدني بعد أن صنف أنواع الضحك والحزن أيضا قال إن "الضاحك إذا كان حزينا في الأعماق صار عبقريا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق