الصحفي والإعلامي وضمان الالتزام بالمهنية
"ضمير الأمة"
"المتحولون" و"المتلونون" هكذا وُصف بعض الصحفيين الإعلاميين الذين تغيرت كتاباتهم وعباراتهم بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. وإذا كان الشاعر أبو تمام وصف القلم في إحدى قصائده قائلا "فصيح إذا استنطقته وهو راكب ... وأعجم إن خاطبته وهو نازل"، فماذا لو كان صاحب القلم أو الناطق بالكلمة صحفي أو مذيع؟! وما المطلوب في المرحلة المقبلة لضمان التزام الإعلامي بالمهنية والمسئولية أمام جمهوره من القراء والمشاهدين أو المستمعين؟ ولكي تعود الصحافة "ضمير الأمة" كما كانت وكما يجب أن تكون دائما.
موقع أخبار مصر - www.egynews.net – طرح السؤال، وتلقى إجابات مختلفة، فبينما قال الكاتب الصحفي أسامة هيكل رئيس تحرير صحيفة "الوفد" إن الحل في إعادة النظر في كينونة الصحفي الذي هو باحث عن الحقيقة وعدم تصنيفه حسب المؤسسة العامل بها، قال الكاتب الصحفي والباحث في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بـ"الأهرام" الدكتور ضياء رشوان إنه لابد من وضع تشريعات وقوانين جديدة تنظم العمل بالقطاع الإعلامي، ومن جانبه قال الناقد الصحفي طارق الشناوي إن الدرس كان واضحا للجميع بأن الناس هم من يملكون وأن من سخر موهبته لصالح القارئ والمشاهد وليس السلطة هم من ترتفع أسهمهم، إلا أن الكتاب الثلاثة اتفقوا على رفضهم فكرة انتخاب رئيس التحرير أو رئيس المؤسسة الإعلامية.
الخبر واحد والرأي يختلف
الكاتب الصحفي أسامة هيكل قال إن ضمان التزام الإعلامي بالمهنية والمسئولية يبدأ بتعريف الصحفي وهو باحث عن الحقيقة، بصرف النظر عن المؤسسة التي يعمل بها، مشيرا إلى أن الخطأ كان في تصنيف الصحفيين حسب مؤسساتهم التي ينتمون إليها، فمن كان يعمل بصحيفة قومية هو جندي مدافع عن النظام ومن كان يعمل بصحيفة حزبية معارضة أو مستقلة هو جندي مواجه للنظام.
وأضاف أن الأصل في الخبر عند وضعه على صفحات أي جريدة أن يكون واحدا لا يتغير، بمعنى ألا يكون هناك التفاف على المعلومات لا بتشويه الخبر ولا بتزيينه، موضحا أنه لابد من إعادة النظر في كينونة الصحفي داخل المؤسسة، بحيث يعي أنه في أي مكان يسعى لتقديم خدمة صحفية أرقى للشعب وليس لفرض وجهة نظر معينة على القارئ.
وأشار إلى أن اختيار رؤساء التحرير – قبل 25 يناير – كان يتم من الحزب الوطني، ما أدى إلى ارتفاع عدد الصحفيين المنتمين للحزب الحاكم سابقا من حوالي 300 صحفي عام 2005 إلى نحو 800 صحفي عام 2011، مشددا على أن الصحفي حتى لو كان ينتمي لأي حزب سياسي فلابد ألا يؤثر ذلك على كتاباته. وقال "أنا رئيس تحرير لصحيفة تابعة لحزب الوفد وأميل أكثر لهذا الحزب باعتباري ليبراليا، لكني لم انتم لأي حزب سياسي"، مؤكدا ضرورة أن يلتزم الصحفي بنقل المعلومة للرأي العام كما هي دون تشويه.
من جانب آخر، فرق هيكل بين الخبر ومقال الرأي، موضحا أن الأخير هو مسئولية كاتبه في المقام الأول. وقال إن الخبر واحد في أي صحيفة بينما الرأي يختلف، وبالتالي فلا مانع من أن يكتب صحفي معارض في صحيفة قومية والعكس صحيح، إلا أن ذلك لم يكن معمولا به، مضيفا "أنا لا أستطيع أن أكتب في الأهرام – مثلا - لأني أكتب ضد الحكومة، وهذا أيضا أحد الأخطاء التي كانت موجودة".
وعارض أسامة هيكل فكرة انتخاب رئيس التحرير لأي صحيفة قومية أو حزبية أو مستقلة. وقال إنه شخصيا جاء بالانتخاب، لكن الأمر كان مفاجئا، حيث جٌمع صحفيو الوفد وطلب منهم الاختيار "عمياني" دون وجود مرشحين وتم الانتخاب على أساس المهنية بعيدا عن الخواطر، مبررا رفضه لانتخاب رئيس التحرير بأنه في حالة وجود مرشحين للمنصب مع توفر زمن للانتخاب فإن هذا سيفتح الباب للـ"تربيطات" – على حد قوله – وهذا خطأ، مؤكدا أن هناك مواصفات لرئيس التحرير بحيث يكون في المقام الأول مهنيا وقادرا على القيادة.
تنظيم القطاع الإعلامي
لكاتب الصحفي والباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور ضياء رشوان قال لا نستطيع أن نخاطب ضمير الصحفي ولا المذيع، وتساءل كيف على الإعلامي أن يراعي مهنته مع وجود لوائح داخل المؤسسة التي يعمل بها تمكن رئيسه من أن يعصف به؟! مضيفا أنه لابد من إعادة تنظيم العمل في القطاع الإعلامي كله (صحافة وإذاعة وتليفزيون) والعمل على اكتشاف القدرات الحقيقية للإعلاميين العاملين بهذه المؤسسات.
وقال إن المطلوب في المرحلة المقبلة وضع تشريعات وقوانين جديدة، تنظم عمل الإعلامي، فهو لا يعمل بشكل فردي إنما هو ضمن مؤسسات، مشيرا إلى وجود عشرات الآلاف من المعينين بالفعل في اتحاد الإذاعة والتليفزيون وفي الصحف القومية لا يؤدون عملا، موضحا أنهم جزء من الإعلاميين ومن المهنة.
وأضاف رشوان أن "الخلل جاء من أن القطاعات الإعلامية في مصر ليس لها صاحب بنص الدستور لكن تديرها مؤسسات إما تشريعية مثل مجلس الشورى أو تنظيمية مثل اتحاد الإذاعة والتليفزيون."
ودعا إلى ضرورة أن يتحقق الصحفي ماليا ومهنيا في مؤسسة مستقلة حرة يتم فيها تنظيم الطاقات البشرية العاملة بها.
لرئيس التحرير مدتان
الناقد الصحفي طارق الشناوي قال إن الدرس كان واضحا جدا – ليس فقط للصحفيين والإعلاميين لكن أيضا للفنانين والمثقفين - بأن الناس في النهاية هم من يملكون، مضيفا أن "البعض راهن على الرئيس وكانوا يسبحون بحمد النظام وهؤلاء كلماتهم موثقة ومقالاتهم موجودة على الإنترنت وفي المجلات والصحف ثم تحولوا عنها 180 درجة ورجعوا في كلامهم وأصبحوا يكتبون ويقولون عكس ما كانوا يملؤون به أدمغتنا."
وأشار إلى بعض الصحفيين الذين تغيرت كتاباتهم بعد تعيينهم في منصب رئيس التحرير في عهد النظام السابق، مضيفا أنهم بالتأكيد أدركوا الآن أنهم لو سخروا موهبتهم لحساب القارئ وليس لحساب السلطة لارتفعت أسهمهم عند الجمهور.
في الوقت نفسه، أكد الشناوي على وجود شرفاء داخل المؤسسات الإعلامية القومية، وقال "لنا أسوة حسنة في الكاتب الصحفي مجدي مهنا - رحمه الله - الذي لم يسع لرئاسة تحرير ولا لأي منصب، وكان رهانه دائما على القراء"، مشيرا إلى أن صحيفة "المصري اليوم" أعادت أثناء الثورة مقالاته التي كتبها منذ سنوات، وبهذا أصبح مهنا حي بمقالاته رغم رحيله بينما هناك صحفيون رحلوا رغم أنهم أحياء يرزقون.
من جهة أخرى، أشار طارق الشناوي إلى أن هناك صحفا وقنوات خاصة تم اختراقها، وقال إن 50% ممن يعملون في هذه القنوات والصحف هم "خلايا نائمة" – على حد وصفه – كان لها دور لصالح النظام السابق.
وأضاف أنه على المستوى السياسي، كان لا يمكن تعيين رئيس تحرير إلا إذا كان مواليا للسلطة، وإذا رفض نشر مقال لأحد الكتاب لا يمكن نشره في صحيفة أخرى، حيث يكون الرفض بتعضيد وتأييد من السلطة، أما الآن فإن مصر تغيرت تماما بعد 25 يناير – على حد قول الشناوي - ولن يجرؤ أي رئيس تحرير أن يمارس السيادية كما كان.
وقال إن أحد الضمانات لذلك أن يكون لرئيس التحرير مدتان فقط للعمل في هذا المنصب ولا يسمح له بالتمديد بعدها مثل رئيس الجمهورية.
وأضاف أن الضمان الأهم لالتزام الصحفي والإعلامي بالمهنية والمسئولية تجاه الجمهور هي حالة التغيير التي شهدتها مصر كلها نحو الديمقراطية، واصفا مردود ذلك على الصحافة بـ"الأواني المستطرقة"، موضحا أنه ستكون هناك حالة من السماح، وقال إنه بالتأكيد سيظل هناك من يحاول الوصول والتملق لكن مساحة النفاق ستقل وسيتخذ الشرفاء أماكنهم.
وأعرب طارق الشناوي عن اعتراضه على فكرة الانتخابات أو الاستفتاءات لاختيار رؤساء تحرير الصحف القومية أو اتحاد الإذاعة والتليفزيون، لأن الانتخابات حتى لو كانت لرئاسة تحرير الصحف تخضع لأمور أخرى قد تدفع البعض إلى استقطاب أشخاص من العاملين في هذه المؤسسات بشكل غير مشروع.
في الوقت نفسه، قال إنه مع تدقيق الاختيار، بحيث يجمع المسئول عن اختيار أو تعيين أو ترشيح شخص ما معلومات جيدة وكافية عنه، داعيا نائب رئيس الوزراء الدكتور يحيى الجمل - المكلف بهذا الملف – أن يستعين ببعض الأسماء من شيوخ المهنة والعالمين ببواطن الأمور فيها كي لا تكون اختياراته "متسرعة" – على حد وصفه – حيث تم الإعلان عن أسماء مرشحة لهذه المناصب ثم تم التراجع عنها فيما بعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق